Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة المائدة - الآية 82

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) (المائدة) mp3
قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه الَّذِينَ حِين تَلَا عَلَيْهِمْ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب بِالْحَبَشَةِ الْقُرْآن بَكَوْا حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَهَذَا الْقَوْل فِيهِ نَظَر لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَدَنِيَّة وَقِصَّة جَعْفَر مَعَ النَّجَاشِيّ قَبْل الْهِجْرَة وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمَا نَزَلَتْ فِي وَفْد بَعَثَهُمْ النَّجَاشِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْمَعُوا كَلَامه وَيَرَوْا صِفَاته فَلَمَّا رَأَوْهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن أَسْلَمُوا وَبَكَوْا وَخَشَعُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّجَاشِيّ فَأَخْبَرُوهُ قَالَ السُّدِّيّ فَهَاجَرَ النَّجَاشِيّ فَمَاتَ بِالطَّرِيقِ وَهَذَا مِنْ إِفْرَاد السُّدِّيّ فَإِنَّ النَّجَاشِيّ مَاتَ وَهُوَ مَلِك الْحَبَشَة وَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم مَاتَ وَأَخْبَرَ بِهِ أَصْحَابه وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَة ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي عِدَّة هَذَا الْوَفْد فَقِيلَ اِثْنَا عَشَر : سَبْعَة قَسَاوِسَة وَخَمْسَة رَهَابِين وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ خَمْسُونَ وَقِيلَ بِضْع وَسِتُّونَ وَقِيلَ سَبْعُونَ رَجُلًا فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح هُمْ قَوْم مِنْ أَهْل الْحَبَشَة أَسْلَمُوا حِين قَدِمَ عَلَيْهِمْ مُهَاجِرَة الْحَبَشَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ قَتَادَة : هُمْ قَوْم كَانُوا عَلَى دِين عِيسَى اِبْن مَرْيَم فَلَمَّا رَأَوْا الْمُسْلِمِينَ وَسَمِعُوا الْقُرْآن أَسْلَمُوا وَلَمْ يَتَلَعْثَمُوا وَاخْتَارَ اِبْن جَرِير أَنَّ هَذِهِ الْآيَات نَزَلَتْ فِي صِفَة أَقْوَام بِهَذِهِ الْمَثَابَة سَوَاء كَانُوا مِنْ الْحَبَشَة أَوْ غَيْرهَا . فَقَوْله تَعَالَى " لَتَجِدَنَّ أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا " وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ كُفْرَ الْيَهُودِ كُفْرُ عِنَادٍ وَجُحُودٍ وَمُبَاهَتَة لِلْحَقِّ وَغَمْط لِلنَّاسِ وَتَنَقُّص بِحَمَلَةِ الْعِلْم وَلِهَذَا قَتَلُوا كَثِيرًا مِنْ الْأَنْبِيَاء حَتَّى هَمُّوا بِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر مَرَّة وَسَمُّوهُ وَسَحَرُوهُ وَأَلَّبُوا عَلَيْهِ أَشْبَاههمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه الْمُتَتَابِعَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدُوَيْهِ عِنْد تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن السَّرِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حَبِيب الرَّقِّيّ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَعِيد الْعَلَّاف حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر عَنْ الْأَشْجَعِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا خَلَا يَهُودِيّ بِمُسْلِمٍ قَطُّ إِلَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ " ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْعَسْكَرِيّ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سَهْل بْن أَيُّوب الْأَهْوَازِيّ حَدَّثَنَا فَرَج بْن عُبَيْد حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن الْعَوَّام عَنْ يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا خَلَا يَهُودِيّ بِمُسْلِمٍ إِلَّا حَدَّثَ نَفْسه بِقَتْلِهِ " وَهَذَا حَدِيث غَرِيب جِدًّا وَقَوْله تَعَالَى " وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى " أَيْ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ نَصَارَى مِنْ أَتْبَاع الْمَسِيح وَعَلَى مِنْهَاج إِنْجِيله فِيهِمْ مَوَدَّة لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله فِي الْجُمْلَة وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا فِي قُلُوبهمْ إِذْ كَانُوا عَلَى دِين الْمَسِيح مِنْ الرِّقَّة وَالرَّأْفَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَجَعَلْنَا فِي قُلُوب الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ رَأْفَة وَرَحْمَة وَرَهْبَانِيَّة " وَفِي كِتَابهمْ : مَنْ ضَرَبَك عَلَى خَدّك الْأَيْمَن فَأَدِرْ لَهُ خَدّك الْأَيْسَر وَلَيْسَ الْقِتَال مَشْرُوعًا فِي مِلَّتهمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ " أَيْ يُوجَد فِيهِمْ الْقِسِّيسُونَ وَهُمْ خُطَبَاؤُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ وَاحِدهمْ قِسِّيس وَقَسّ أَيْضًا وَقَدْ يُجْمَع عَلَى قُسُوس وَالرُّهْبَان جَمَعَ رَاهِب وَهُوَ الْعَابِد مُشْتَقّ مِنْ الرَّهْبَة وَهِيَ الْخَوْف كَرَاكِبِ وَرُكْبَان وَفَارِس وَفُرْسَان قَالَ اِبْن جَرِير وَقَدْ يَكُون الرُّهْبَان وَاحِدًا وَجَمْعه رَهَابِين مِثْل قُرْبَان وَقَرَابِين وجُرْذَان وَجَرَاذِين وَقَدْ يُجْمَع عَلَى رَهَابِنَة وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ يَكُون عِنْد الْعَرَب وَاحِدًا قَوْل الشَّاعِر : لَوْ عَايَنَتْ رُهْبَانَ دَيْرٍ فِي الْقُلَلْ لَانْحَدَرَ الرُّهْبَانُ يَمْشِي وَنَزَلْ وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار حَدَّثَنَا بِشْر بْن آدَم حَدَّثَنَا نُصَيْر بْن أَبِي الْأَشْعَث حَدَّثَنِي الصَّلْت الدَّهَّان عَنْ جَاثِمَة بْن رِئَاب قَالَ سَأَلْت سَلْمَان عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا " فَقَالَ دَعْ الْقِسِّيسِينَ فِي الْبِيَع وَالْخَرِب أَقْرَأَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ صِدِّيقِينَ وَرُهْبَانًا . وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن مَرْدُوَيْهِ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن عَبْد الْحَمِيد الْخَانِيّ عَنْ نَضِير بْن زِيَاد الطَّائِيّ عَنْ صَلْت الدَّهَّان عَنْ جَاثِمَة بْن رِئَاب عَنْ سَلْمَان بِهِ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم ذَكَرَهُ أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَبْد الْحَمِيد الْخَانِيّ حَدَّثَنَا نَضِير بْن زِيَاد الطَّائِيّ حَدَّثَنَا صَلْت الدَّهَّان عَنْ جَاثِمَة بْن رِئَاب قَالَ سَمِعْت سَلْمَان وَسُئِلَ عَنْ قَوْله " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا " فَقَالَ هُمْ الرُّهْبَان الَّذِينَ هُمْ فِي الصَّوَامِع وَالْخَرِب فَدَعُوهُمْ فِيهَا قَالَ سَلْمَان : وَقَرَأْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ فَأَقْرَأَنِي ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ صِدِّيقِينَ وَرُهْبَانًا فَقَوْله : " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ " تَضَمَّنَ وَصْفهمْ بِأَنَّ فِيهِمْ الْعِلْم وَالْعِبَادَة وَالتَّوَاضُع ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ وَاتِّبَاعه وَالْإِنْصَاف .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

    مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -، وتحتوي على بعض مؤلفات الشيخ، مثل شرح كتاب التوحيد، وشرح الواسطية، وشرح ثلاثة الأصول، وغيرها، كما تحتوي على الكثير من الفتاوى التي أجاب الشيخ عنها.

    الناشر: دار الثريا للنشر

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/33097

    التحميل:

  • الأدلة العقلية على صدق نبوة خير البرية صلى الله عليه وسلم

    الأدلة العقلية على صدق نبوة خير البرية : فقد جمعت في هذا الكتاب بعض أدلة صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - التي بها تتضح نبوته ويتبين صدقه الواضح في كل ما يقول وهذه الأدلة مأخوذة من سيرته وأفعاله ،وأقواله وشهادات الناس – أعداء كانوا أو موافقين- وغيرها من الأدلة العقلية. وكثير من هذه المعاني مأخوذة من كلام الذين أسلموا أو أنصفوا كما سيأتي. ثم أتبعت ذلك بمبحث التدليل على أن القرآن ليس من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وفيه أدلة عقلية أخرى على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صادق وأن القرآن من الله - تعالى - وليس منه؛ دل هذا على صدق دين الإسلام وصحته. وأتبعت هذين البحثين بملحق فيه على من أنكر معجزات انشقاق القمر.

    الناشر: مجلة البيان http://www.albayan-magazine.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/168868

    التحميل:

  • من أحكام الفقه الإسلامي وما جاء في المعاملات الربوية وأحكام المداينة

    فقد طلب مني بعض الإخوان أن أفرد من كتابي "بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين" ما يتعلق بالمعاملات الربوية التي وقع فيها كثير من الناس وطرق الكسب الحرام تحذيراً منها ومن سوء عاقبتها وما يتعلق بالاقتصاد في النفقات وأحكام المداينة فأجبتهم إلى ذلك.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209204

    التحميل:

  • القناعة [ مفهومها .. منافعها .. الطريق إليها ]

    القناعة : بيان مفهومها .. منافعها .. الطريق إليها.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144924

    التحميل:

  • المقتبس من اللهجات العربية والقرآنية

    المقتبس من اللهجات العربية والقرآنية: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «فقد اتَّجه كثيرٌ من الدارسين في العصر الحديثِ إلى دراسةِ اللهجات العربية الحديثة ودراسة اللهجات مبحث جديد من مباحِث علمِ اللغة. لذلك فقد اتَّجَهت إليه جهودُ العلماء، واهتمَّت به مجامِعهم وجامعاتهم حتى أصبحَ عنصرًا مهمًّا في الدراسات اللغوية». ثم ذكرَ - رحمه الله - بعضَ الدراسات في اللهجات العربية الحديثة، وثنَّى بعد ذلك سببَ دراسته لهذا البابِ، ومراحل دراسته، قال: «أما دراستي لهذه اللهجات فهي دراسةٌ لغويةٌ وصفيةٌ تحليليةٌّ تُسجّل أهم الظواهر اللغوية للهجة من النواحي: الصوتية - والصرفية - والنحوية - ثم شرحَها والتعليل لما يُمكِن تعليلُه منها».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384384

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة