يعتبر تساقط الشعر عرضا مزعجا، كونه يؤثر على حياة الكثير من الناس رجالا ونساء، وأصبح بالنسبة للكثيرين منهم، مشكلا مؤرقا يشعرهم بالأرق. هذا المشكل، باعتباره خارجيا، فهو يعمل على تغيير مظهر الشخص ويؤثر على نظرته لذاته ونظرة الآخرين له، خاصة أنواع تساقط الشعر المرتبط بالتوتر، كونه يزداد مع سوء حالة الشخص النفسية.
يعد تساقط الشعر من أكثر اضطرابات الشعر شيوعًا وانتشارا والتي يعمل أطباء الجلد على تشخيصها وعلاجها. حيث ازداد اهتمام المختصين بعلوم وأبحاث الشعر حول العالم بحلها، المصطلح الطبي لتساقط الشعر هو الصلع alopecia.
كيف يحدث تساقط الشعر؟
تحدث البداية الحادة أو التدريجية لتساقط الشعر عن طريق مجموعة متنوعة من الاضطرابات في دورة نمو الشعر وتبرز بشكل عام في أحد الشكلين:
الأول: يؤدي حدوث اضطرابات في الشعر إلى الانتقال المبكر لبصيلات الشعر من طور النمو إلى مرحلة تيلوجين telogen، يسبب هذا فقدانا ملحوظا للشعر بعد شهرين إلى أربعة أشهر من الحدث المسبب للإجهاد.
الثاني: فقدان الشعر أثناء طور النمو يحدث بسبب الضرر الذي يصيب البصيلات عن طريق بعض أنواع الأدوية أو الإشعاع أو العلاج الكيميائي أو نقص التغذية أو اضطرابات الغدد الصماء او تغيرات الأوعية الدموية أو الالتهابات.
معرفة متى بدأ تساقط الشعر بالضبط والفحص المبكر، يؤدي إلى علاج المشكلة بالطريقة الصحيحة.
هناك فترة حياة طبيعية لكل خصلة شعر، حين تنتهي هذه الفترة فهي تتساقط بعدها بشكل طبيعي. في الواقع، يفقد الأشخاص حوالي من 50 إلى 100 شعرة في اليوم – حسب مايو كلينيك– لا يتم ملاحظة هذا لأن الشعر الجديد ينمو مباشرة بعده. ويظهر تساقط الشعر عندما يتساقط بصورة غير طبيعية ولا ينمو الشعر الجديد محل المتساقط.
ما هي أسباب تساقط الشعر؟
هناك أسباب عديدة لتساقط الشعر، حسب الأكاديمية الأمريكية لطب الجلد، توجد أسباب وراثية، تؤدي إلى تساقط الشعر الوراثي. إلى جانب أسباب أخرى مثل:
- التقدم في العمر
- العلاجات الكيميائية
- الثعلبة بمختلف أنواعها
- شد الشعر أثناء التصفيف
- تساقط الشعر المرتبط بالتوتر والإجهاد العاطفي
النوع الأخير، هو ما سنركز عليه خلال هذا المقال، حيث يعاني الكثير من الناس من تساقط الشعر المرتبط بالتوتر، ومع ازدياد هذا التساقط يؤثر الأمر على نفسيتهم تأثيرا كبيرا.
ما هو التوتر stress؟
التوتر هو شعور بالإجهاد الجسدي أو العاطفي. يمكن أن يحدث هذا الشعور من أي حدث أو فكرة تشعر الشخص بالإحباط أو الغضب.
حسب الدراسات المختلفة، هناك عدة أنواع من الإجهاد العاطفي والتوتر، ومن ضمنها نوعان أساسيان:
1ـ التوتر الحاد Acute stress:
عبارة عن ضغط عصبي قصير المدى يزول بسرعة، مثل مشاجرة، أو سرعة بالسيارة، أو أي موقف يتطلب ردود فعل سريعة وفجائية، ويحدث أيضًا عندما تفعل شيئًا جديدًا أو مثيرًا.
لهذا النوع من التوتر خصائص إيجابية، فهو يساعد على إدارة المواقف في وقت الخطر. يعاني جميع الناس من إجهاد حاد في وقت أو آخر!
2ـ قلق مزمن Chronic stress:
هذا النوع من الضغط العصبي يستمر لفترة أطول من الزمن، وله عديد من الأسباب مثلا، مشاكل مالية، أو زواج غير سعيد، أو مشكلة في العمل.
مع الوقت، يصبح الشخص معتادا على هذا التوتر المزمن لدرجة ألا يدرك أنها مشكلة.
عدم وجود طريقة لإدارة وتحسين الشعور بالتوتر، سيؤدي إلى مشاكل صحية أكثر بكثير من مجرد ارتعاش اليدين وخفقان القلب والتعرق.
هناك عدد لا يحصى من الأعراض الجسدية المرتبطة بالإجهاد النفسي، بما في ذلك مشاكل القلب وتلف الأعضاء وحتى تساقط الشعر المرتبط بالتوتر.
يوصى بزيارة طبيب عند تفاقم أعراض القلق والتوتر والاكتئاب المزمن، لتشخيص الحالة ووصف طريقة العلاج المناسبة.
هل هناك علاقة بين تساقط الشعر والتوتر؟
يعتبر علاج الشعر النفسي هو أحد التخصصات الفرعية الأحدث نسبيًا في الأمراض الجلدية النفسية وعلوم الشعر، ويتعامل مع الجوانب النفسية لأمراض واضطرابات الشعر.
ترتبط اضطرابات الشعر المتعددة – وخاصة المتعلقة بفقدان الشعر- بالضعف النفسي الاجتماعي، وتدني احترام الذات، والوحدة وتجنب الاجتماعيات.
غالبًا ما يتحدث المرضى الذين يعانون من اضطرابات الشعر المختلفة عن نوعية حياة سلبية ويواجهون مستويات متزايدة من الاكتئاب والقلق وما يرتبط بذلك من سوء التكيف النفسي والاجتماعي.
يركز علاج الاضطرابات النفسية على دور التوتر في تساقط الشعر وتحسين نوعية الحياة. وقد أثبتت الأبحاث أن القلق والتوتر يسهم في حدوث العديد من اضطرابات الشعر التي تؤدي لتساقطه.
من ضمن اضطرابات تساقط الشعر المرتبط بالتوتر:
1ـ الثعلبة البقعية Alopecia areata:
هي حالة من اضطراب الشعر تسبب في تساقط مفاجئ للشعر وبكمية كبيرة وتؤثر على ما يقرب من 6.8 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية.
تحدث الثعلبة البقعية عندما يهاجم جهاز المناعة في الجسم بصيلات الشعر. ويكون هذا نتيجة لارتفاع نسبة التوتر والقلق اللذين لهما تأثير معروف على وظائف الجسم المختلفة، بما في ذلك الجهاز المناعي.
وقد ثبت أن أحداث الحياة المجهدة قد تساهم في تطور داء الثعلبة، وقد خلصت العديد من الدراسات إلى أن الإجهاد العاطفي من المحتمل أن يكون مسؤولاً جزئيًا عن ظهور اضطراب تساقط الشعر المرتبط بالتوتر.
2ـ تساقط الشعر الكربي Telogen effluvium:
يحدث تساقط الشعر الكربي (التيلوجيني) عندما تتسبب كمية كبيرة من القلق والتوتر في أن تستأنف بصيلات الشعر مرحلة الراحة التي يمكن أن تتسبب على مدى فترة طويلة من الزمن في تساقط الشعر المرتبط بالتوتر، والذي يسقط على شكل كتل أو إضعاف بنيته وتكسره بشكل كبير.
يتضمن تساقط الشعر التيلوجيني:
- تساقط الشعر المرتبط بالتوتر والأحداث الفسيولوجية.
- الإجهاد.
- التقلبات الهرمونية (الحمل).
- الأدوية.
- نقص الحديد.
- الصدمات.
- عدم كفاية تناول البروتين.
وقد يُلاحظ هذا النوع من اضطراب الشعر بشكل متكرر عند النساء نتيجة للتغيرات الهرمونية بعد الولادة ويزيد عند الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
يبدأ هذا النوع من التساقط – حسب الدراسات– في الظهور بعد حوالي ثلاثة أشهر من بدء الحدث المسبب للتوتر والإجهاد النفسي، ويميل غالبا للشفاء في غضون الستة أشهر، ولكن في الحالات المزمنة قد يستمر الأمر سنوات، ويؤثر الأمر أكثر على النساء في منتصف العمر.
يعود الشعر أيضا للنمو بعد الانتظام على العلاج المناسب. ولتأكيد التشخيص غالبا ما يطلب الطبيب معرفة تاريخ بدء التساقط مع أخذ خزعة من فروة الرأس لفحصها.
3ـ هوس نتف الشعر Trichotillomania:
يعتبر هوس نتف الشعر رغبة ملحة لا تقاوم لسحب ونتف الشعر من فروة الرأس والحاجبين وربما مناطق أخرى من الجسم. هذا النوع من السلوك هو الأكثر شيوعًا عند الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري ويمكن أن يتسبب في تلف بصيلات الشعر بشكل دائم إذا ظل دون علاج.
يمكن أن تسبب حالات الصحة العقلية الأخرى مشاكل الشعر بشكل غير مباشر بسبب الأدوية المستخدمة لعلاجها مثل حاصرات بيتا Beta blockers ومضادات الاكتئاب ومثبتات الحالة المزاجية المختلفة.
أكدت بعض الدراسات أن نتف الشعر قد يوفر راحة مؤقتة من الحالات العاطفية السلبية مثل التوتر والملل والقلق والحزن.
مع ذلك، -نظرًا لأن نتف الشعر قد يكون بمثابة أسلوب ناجح لتنظيم المشاعر- فمن المحتمل أن يتم تعزيز هذا السلوك على أمل المزيد من الراحة ولكن يحدث العكس من شعور بالذنب والاستياء من مظهر الشعر وبالتالي حلقة مفرغة ما بين التساقط والتوتر.
من هم أكثر الفئات عرضة لتساقط الشعر المرتبط بالتوتر؟
النساء: أثبتت دراسة أن النساء المعرضات للتوتر والإجهاد العصبي أكثر عرضة لتساقط الشعر 11 مرة أكثر من النساء اللواتي ليس لديهن توتر أو إجهاد عصبي.
تأثير التوتر الناتج عن الحمل على تساقط الشعر
هناك دراسة أظهرت نتائجها تفاعلًا زمنيًا جماعيًا بين مستويات الكورتيزول في الشعر والضغط النفسي أثناء الحمل، مع تفاقم وشدة الأعراض النفسية المرضية. وذلك باستخدام طريقة جديدة لتقييم الإجهاد والتوتر المزمن، وذلك عن طريق قياس مستويات الكورتيزول في الشعر.
هذه هي الدراسة الأولى التي أظهرت انخفاضًا في كل من مستويات الكورتيزول في الشعر أثناء الحمل بسبب الإجهاد النفسي للمرأة الحامل، الأمر الذي يؤدي لتساقط الشعر المرتبط بالتوتر، ويمكن أن يكون لهذا الانخفاض أيضا آثار على صحة الأم والجنين.
نتيجة لذلك، اكتسب تقييم الإجهاد المزمن والفسيولوجي عن طريق استخراج الكورتيزول في الشعر أهمية إضافية نظرًا لتأثيره السلبي على الحمل والنمو العصبي.
الكورتيزول وقياس تساقط الشعر المرتبط بالتوتر:
يتم استخدام هذا المنهج الجديد لتقدير الكورتيزول بشكل متزايد لتحديد آثار الإجهاد في مجموعة متنوعة من الحالات المرضية، وأصبح قياس كورتيزول الشعر أحد التطورات المهمة في مجال الحفاظ على الصحة النفسية، حيث أظهرت الدراسات أن تركيزات الكورتيزول في الشعر تزداد في حالات الاكتئاب وحالات الاضطراب ثنائي القطب لدى المرضى في سن متأخرة.
ما هو الكورتيزول؟
الكورتيزول هو أحد الجلايكورتيكويدات الرئيسية التي يتم تصنيعها في المنطقة الحزمية لقشرة الغدة الكظرية. يُعرف الكورتيزول هرمون التوتر الذي يشارك في الاستجابة للإجهاد البدني أو العاطفي.
ماذا عن التوتر الناتج عن تساقط الشعر؟
على الرغم من أن تساقط الشعر غالبًا ما يعتبر مشكلة تجميلية يتعرض لها الكثير من الأشخاص، إلا أن التأثير النفسي الناتج عن تساقط الشعر -حسب الأبحاث– قد يكون صعبًا.
في أغلب الثقافات حول العالم، يرتبط الشعر بهوية الفرد ويكون فى الكثير من الأحيان مؤشرًا على الجمال والصحة الجسدية. بالإضافة إلى ذلك، تربط الأعراف الاجتماعية النساء بالشعر الطويل الكثيف.
رغم ذلك، لا يعتبر تساقط الشعر أمرًا عاديا وطبيعيا بالنسبة للرجال، بل هي مشكلة بالنسبة لهم أيضا.
يعاني المرضى الذين لديهم اضطرابات الشعر بشكل عام من المشاعر السلبية الكثيرة، مثل الحزن واليأس وشعور بعدم الجاذبية، ويتجنبون دائما الأحداث الاجتماعية خوفا من التنمر أو نظرة الآخرين لهم.
مثلما هناك تساقط شعر مرتبط بالتوتر، فإن هناك حالات من اضطرابات الشعر تتسبب في ارتفاع الإصابة بالتوتر والاكتئاب والضعف النفسي، خاصة تلك التي تتسبب في ضرر دائم للشعر.
على سبيل المثال:
الثعلبة الندبية Cicatricial alopecia, or scarring alopecia:
الثعلبة الندبية الأولية هي اضطراب التهابي يتسبب في تدمير بصيلات الشعر بشكل دائم، مما يؤدي إلى تساقط الشعر بشكل لا رجعة فيه، وللأسف نمو الشعر لن يحدث أبدًا من بصيلات شعر كانت عرضة للثعلبة الندبية.
من المعروف أن مرضى الثعلبة الندبية يعزلون أنفسهم عن أقرانهم ويميلون إلى العزلة. كشفت الدراسات الحديثة أن المرضى الذين يعانون من الثعلبة الندبية أبلغوا عن ارتفاع كبير لديهم في مقاييس القلق والاكتئاب، وذلك بالمقارنة مع المرضى الآخرين.
يتسبب الإجهاد النفسي والضغوط العصبية في حدوث اضطرابات مختلفة في دورة نمو الشعر، لذلك، عادة ما ينصح الأطباء بمعالجة هذا الإجهاد النفسي بالموازاة مع استخدام علاجات تساقط الشعر.