Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 177

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) (البقرة) mp3
اِشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة عَلَى جُمَلٍ عَظِيمَةٍ وَقَوَاعِدَ عَمِيمَةٍ وَعَقِيدَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ كَمَا قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن هِشَام الْحَلَبِيّ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ عَامِر بْن شُفَيّ عَنْ عَبْد الْكَرِيم عَنْ مُجَاهِد عَنْ أَبِي ذَرّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْإِيمَانُ ؟ فَتَلَا عَلَيْهِ " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ " إِلَى آخِر الْآيَة قَالَ : ثُمَّ سَأَلَهُ أَيْضًا فَتَلَاهَا عَلَيْهِ ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ : " إِذَا عَمِلْت حَسَنَة أَحَبَّهَا قَلْبك وَإِذَا عَمِلْت سَيِّئَة أَبْغَضَهَا قَلْبك " وَهَذَا مُنْقَطِع فَإِنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يُدْرِك أَبَا ذَرّ فَإِنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ : حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ جَاءَ رَجُل إِلَى أَبِي ذَرّ فَقَالَ مَا الْإِيمَان ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ " حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُل لَيْسَ عَنْ الْبِرّ سَأَلْتُك فَقَالَ أَبُو ذَرّ : جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتنِي عَنْهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة فَأَبَى أَنْ يَرْضَى كَمَا أَبَيْت أَنْ تَرْضَى فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ " الْمُؤْمِنُ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً سَرَّتْهُ وَرَجَا ثَوَابَهَا وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً أَحْزَنَتْهُ وَخَافَ عِقَابَهَا" رَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِع وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا الْكَلَام عَلَى تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ حَوَّلَهُمْ إِلَى الْكَعْبَة شَقَّ ذَلِكَ عَلَى نُفُوس طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَبَعْض الْمُسْلِمِينَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى بَيَان حِكْمَته فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد إِنَّمَا هُوَ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِثَال أَوَامِره وَالتَّوَجُّه حَيْثُمَا وَجَّهَ وَاتِّبَاع مَا شَرَعَ فَهَذَا هُوَ الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَان الْكَامِل وَلَيْسَ فِي لُزُوم التَّوَجُّه إِلَى جِهَة مِنْ الْمَشْرِق أَوْ الْمَغْرِب بِرّ وَلَا طَاعَة إِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْر اللَّه وَشَرْعه وَلِهَذَا قَالَ " لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " الْآيَة كَمَا قَالَ فِي الْأَضَاحِيّ وَالْهَدَايَا لَنْ يَنَال اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ " وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُصَلُّوا وَلَا تَعْمَلُوا فَهَذَا حِين تَحَوَّلَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَنَزَلَتْ الْفَرَائِض وَالْحُدُود فَأَمَرَ اللَّه بِالْفَرَائِضِ وَالْعَمَل بِهَا وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك وَمُقَاتِل نَحْو ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : كَانَتْ الْيَهُود تُقْبَل قِبَل الْمَغْرِب وَكَانَتْ النَّصَارَى تُقْبَل قِبَل الْمَشْرِق فَقَالَ اللَّه تَعَالَى " لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب " يَقُول هَذَا كَلَام الْإِيمَان وَحَقِيقَته الْعَمَل وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن وَالرَّبِيع بْن أَنَس مِثْله . وَقَالَ مُجَاهِد : وَلَكِنَّ الْبِرّ مَا ثَبَتَ فِي الْقُلُوب مِنْ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ الضَّحَّاك : وَلَكِنَّ الْبِرّ وَالتَّقْوَى أَنْ تُؤَدُّوا الْفَرَائِض عَلَى وُجُوههَا وَقَالَ الثَّوْرِيّ : " وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ" الْآيَة قَالَ هَذِهِ أَنْوَاع الْبِرّ كُلّهَا وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّه فَإِنَّ مَنْ اِتَّصَفَ بِهَذِهِ الْآيَة فَقَدْ دَخَلَ فِي عُرَى الْإِسْلَام كُلّهَا وَأَخَذَ بِمَجَامِع الْخَيْر كُلّه وَهُوَ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَصَدَّقَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ سَفَرَة بَيْن اللَّه وَرُسُله " وَالْكِتَاب " وَهُوَ اِسْم جِنْس يَشْمَل الْكُتُب الْمُنَزَّلَة مِنْ السَّمَاء عَلَى الْأَنْبِيَاء حَتَّى خُتِمَتْ بِأَشْرَفِهَا وَهُوَ الْقُرْآن الْمُهَيْمِن عَلَى مَا قَبْله مِنْ الْكُتُب الَّذِي اِنْتَهَى إِلَيْهِ كُلّ خَيْر وَاشْتَمَلَ عَلَى كُلّ سَعَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَنُسِخَ بِهِ كُلّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْكُتُب قَبْله وَآمَنَ بِأَنْبِيَاءِ اللَّه كُلّهمْ مِنْ أَوَّلهمْ إِلَى خَاتَمهمْ مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَوْله " وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه " أَيْ أَخْرَجَهُ وَهُوَ مُحِبّ لَهُ رَاغِب فِيهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اِبْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْرهمَا مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا " أَفْضَل الصَّدَقَة أَنْ تَصَّدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمَلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ " . وَقَدْ رَوَى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث شُعْبَة وَالثَّوْرِيّ عَنْ مَنْصُور عَنْ زُبَيْد عَنْ مُرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه أَنْ تُعْطِيه وَأَنْتَ صَحِيحٌ تَأْمَلُ الْعَيْش وَتَخْشَى الْفَقْر " ثُمَّ قَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ . " قُلْت" وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيع عَنْ الْأَعْمَش وَسُفْيَان عَنْ زُبَيْد عَنْ مُرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود مَوْقُوفًا وَهُوَ أَصَحُّ وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَالَ تَعَالَى " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شَكُورًا " وَقَالَ تَعَالَى " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " وَقَوْله " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " نَمَطٌ آخَرُ أَرْفَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُمْ آثَرَوْا بِمَا هُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ أَعْطَوْا وَأَطْعَمُوا مَا هُمْ مُحِبُّونَ لَهُ وَقَوْله" ذَوِي الْقُرْبَى " وَهُمْ قَرَابَات الرَّجُل وَهُمْ أَوْلَى مَنْ أَعْطَى مِنْ الصَّدَقَة كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيث " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذَوِي الرَّحِم ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ فَهُمْ أَوْلَى النَّاس بِك بِبِرِّك وَإِعْطَائِك " وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه الْعَزِيز " وَالْيَتَامَى " هُمْ الَّذِينَ لَا كَاسِبَ لَهُمْ وَقَدْ مَاتَ آبَاؤُهُمْ وَهُمْ ضُعَفَاء صِغَار دُون الْبُلُوغ وَالْقُدْرَة عَلَى التَّكَسُّب وَقَدْ قَالَ : عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَنَا مَعْمَر عَنْ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ النَّزَّال بْن سَبْرَة عَنْ عَلِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يُتْمَ بَعْد حُلُمٍ " " وَالْمَسَاكِين " وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي قُوتهمْ وَكِسْوَتهمْ وَسُكْنَاهُمْ فَيُعْطَوْنَ مَا تُسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُمْ وَخَلَّتهمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ الْمِسْكِين بِهَذَا الطَّوَّاف الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِين الَّذِي لَا يَجِد غِنًى يُغْنِيه وَلَا يُفْطَن لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ " " وَابْن السَّبِيل " وَهُوَ الْمُسَافِر الْمُجْتَاز الَّذِي قَدْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ فَيُعْطَى مَا يُوَصِّلُهُ إِلَى بَلَدِهِ وَكَذَا الَّذِي يُرِيد سَفَرًا فِي طَاعَة فَيُعْطَى مَا يَكْفِيه فِي ذَهَابه وَإِيَابه وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الضَّيْف كَمَا قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : اِبْن السَّبِيل هُوَ الضَّيْفُ الَّذِي يَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو جَعْفَر الْبَاقِر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالزُّهْرِيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَمُقَاتِل بْن حَيَّان" وَالسَّائِلِينَ " وَهُمْ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلطَّلَبِ فَيُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَوَات وَالصَّدَقَات كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا وَكِيع وَعَبْد الرَّحْمَن قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَمّ مُصْعَب بْن مُحَمَّد عَنْ يَعْلَى بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ فَاطِمَة بِنْت الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهَا - قَالَ عَبْد الرَّحْمَن حُسَيْن بْن عَلِيّ - قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " وَفِي الرِّقَاب" وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُؤَدُّونَهُ فِي كِتَابَتهمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي آيَة الصَّدَقَات مِنْ بَرَاءَة إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَدْ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَبْد الْحَمِيد حَدَّثَنَا شَرِيك عَنْ أَبِي حَمْزَة عَنْ الشَّعْبِيّ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَة بِنْت قَيْس أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفِي الْمَال حَقٌّ سِوَى الزَّكَاة ؟ قَالَتْ فَتَلَا عَلَيَّ " وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ " . وَرَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث آدَم بْن إِيَاس وَيَحْيَى بْن عَبْد الْحَمِيد كِلَاهُمَا عَنْ شَرِيك عَنْ أَبِي حَمْزَة عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " ثُمَّ قَرَأَ لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب - إِلَى قَوْله - وَفِي الرِّقَاب " وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَضَعَّفَ أَبَا حَمْزَة مَيْمُونًا الْأَعْوَر وَقَدْ رَوَاهُ سَيَّار لِإِسْمَاعِيل بْن سَالِم عَنْ الشَّعْبِيّ وَقَوْله وَأَقَامَ الصَّلَاة أَيْ وَأَتَمَّ أَفْعَال الصَّلَاة فِي أَوْقَاتهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودهَا وَطُمَأْنِينَتهَا وَخُشُوعهَا عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الْمَرْضِيِّ وَقَوْله " آتَى الزَّكَاة " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ زَكَاة النَّفْس وَتَخْلِيصهَا مِنْ الْأَخْلَاق الدَّنِيئَة الرَّذِيلَة كَقَوْلِهِ " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " وَقَوْل مُوسَى لِفِرْعَوْن : " هَلْ لَك إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَك إِلَى رَبِّك فَتَخْشَى" وَقَوْله تَعَالَى " وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد زَكَاة الْمَال كَمَا قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَيَكُون الْمَذْكُور مِنْ إِعْطَاء هَذِهِ الْجِهَات وَالْأَصْنَاف الْمَذْكُورِينَ إِنَّمَا هُوَ التَّطَوُّع وَالْبِرّ وَالصِّلَة وَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس " أَنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة" وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا " كَقَوْلِهِ " الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاق " وَعَكْس هَذِهِ الصِّفَة النِّفَاق كَمَا صَحَّ الْحَدِيث " آيَةُ الْمُنَافِق ثَلَاث إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ " وَفِي الْحَدِيث الْآخَر" إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" وَقَوْله " وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِين الْبَأْس أَيْ فِي حَال الْفَقْر وَهُوَ الْبَأْسَاء وَفِي حَال الْمَرَض وَالْأَسْقَام وَهُوَ الضَّرَّاء " وَحِين الْبَأْس " أَيْ فِي حَال الْقِتَال وَالْتِقَاء الْأَعْدَاء قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُرَّة الْهَمْدَانِيّ وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَالسُّدِّيّ وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَأَبُو مَالِك وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ وَإِنَّمَا نَصَبَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْمَدْح وَالْحَثّ عَلَى الصَّبْر فِي هَذِهِ الْأَحْوَال لِشِدَّتِهِ وَصُعُوبَته وَاَللَّه أَعْلَم وَهُوَ الْمُسْتَعَان وَعَلَيْهِ التُّكْلَان : وَقَوْله " أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا " أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّصَفُوا بِهَذِهِ الصِّفَات هُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانهمْ لِأَنَّهُمْ حَقَّقُوا الْإِيمَان الْقَلْبِيّ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَال فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا " وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ" لِأَنَّهُمْ اِتَّقُوا الْمَحَارِم وَفَعَلُوا الطَّاعَات .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • النجوم الزاهرة في القراءات العشر المُتواترة وتوجيهها من طريقَي الشاطبية والدرة

    النجوم الزاهرة في القراءات العشر المُتواترة وتوجيهها من طريقَي الشاطبية والدرة: ثال المُصنِّف - رحمه الله -: «لما رأيتُ طلابَ معاهد القراءات، وطلاب المعاهد الأزهرية في مصر الحبيبة، وسائر المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية الشقيقة في حاجةٍ إلى كتابٍ في «القراءات العشر من طريقَي الشاطبية والدرة» يستعينون به على إعداد دروسهم في الجانب العلمي التطبيقي؛ ألَّفتُ هذا الكتاب .. وقد سلَكتُ في تصنيفهِ المسلكَ الذي اتبعتُه في مُؤلَّفاتي؛ مثل: 1- المُهذَّب في القراءات العشر وتوجيهها من طريق الشاطبية. 2- الإرشادات الجليَّة في القراءات السبع من طريق الشاطبية. 3- التذكرة في القراءات الثلاث من طريق الدرَّة».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384392

    التحميل:

  • الصلاة وأسرارها النفسية بالمفاهيم السلوكية المعاصرة

    الصلاة وأسرارها النفسية بالمفاهيم السلوكية المعاصرة: كل من تحدَّث عن الصلاة أحسنَ وأجادَ؛ فتحدَّث الفُقهاءُ بمفاهيم التشريع والإيمان، وتحدَّث المُتصوِّفة بمفاهيم الروح وصفاء النفس، وتحدَّث الأطباء المسلمون عن أسرار الصلاة بمفاهيم الجسم والحركة، وهذا ما سوف نُفصِّلها في الفصل الأول من هذا الكتاب في الحديث عن حركات الصلاة. ويبقى الجانب النفسي بمفاهيم النفس المعاصرة شاغرًا لم يتطرَّق إليه أحد، إلا في إشارات تُحقِّقُ المفهوم دون أن تسبُر أغواره أو تُحدِّدَ أبعاده، وهذا ما يُحاولُ الكتابَ أن يصِلَ إلى بعض حقائقه.

    الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت http://islam.gov.kw/cms

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/381058

    التحميل:

  • تفسير السعدي [ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ]

    تفسير السعدي: في هذه الصفحة نسخة الكترونية مفهرسة، تتميز بسهولة التصفح والوصول إلى الآية من كتاب تفسير السعدي، وهو تفسير يعتني بإيضاح المعنى المقصود من الآية بعبارة واضحة مختصرة، مع ذكر ما تضمنته الآية من معنى أو حكم سواء من منطوقها أو مفهومها، دون استطراد أو ذكر قصص أو إسرائيليات، أو حكاية أقوال تخرج عن المقصود، أو ذكر أنواع الإعراب, إلا إذا توقَّف عليه المعنى، وقد اهتم بترسيخ العقيدة السَّلفيَّة، والتوجَّه إلى الله، واستنباط الأحكام الشرعية، والقواعد الأصولية، والفوائد الفقهية, والهدايات القرآنية إلى غير ذلك من الفوائد الأخرى والتي قد يستطرد أحياناً في ذكرها, ويهتم في تفسيره بآيات الصفات, فيفـسرها على عقيدة أهل السُّنَّة. • ونبشر الإخوة بوجود قراءة صوتية لهذا الكتاب النفيس - حصرياً لموقعنا - ورابطه: http://www.islamhouse.com/p/200110 • أيضاً تم ترجمة الكتاب إلى عدة لغات عالمية وقد أضفنا بعضاً منها.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2422

    التحميل:

  • حقوق الإنسان في الإسلام

    حقوق الإنسان في الإسلام : في هذا البحث بيان حقيقة حقوق الإنسان كما تثار في عالمنا المعاصر، مع وضع شعاراتها، ومفاهيمها، ونتائجها، في ميزان الإسلام.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144878

    التحميل:

  • معلم التجويد

    معلم التجويد : كتيب ميسر مرتب على ثمانية أبواب: الأول: في تعريف القرآن، وبيان بعض فضله، وشرف أهله. الثاني: في بيان الترتيل. الثالث: في بيان طريق ميسر لختم القرآن. الرابع: في فضائل بعض الآيات والسور. الخامس: في بيان سجدات القرآن. السادس: في نبذة يسيرة من علم القراءات. السابع: في فرائد من فوائد لها صلة بالقرآن. الثامن: في أحكام متعلقة بإكرام المصحف. - قدم لهذه الرسالة فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، والمقرئ الشيخ أحمد بن خليل بن شاهين، والشيخ عبد الله بن علي بصفر - حفظهم الله -.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/166515

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة